منوعات

السعودية تحارب الفساد ام تحارب على السلطة

بشكل أو بآخر، وبعيدًا عن موقف الرفض أو القبول، يمكن اعتبار ما يحدث في المملكة العربية السعودية مؤخرا هو “المرحلة الثالثة” في تاريخها منذ نشأتها في العشرينيات من القرن الماضي. كانت المرحلة الأولى هي مرحلة التأسيس على يد الملك عبد العزيز بن سعود، والذي استطاع بعزم وإصرار المقاتل البدوي، فرض سيطرته وشخصيته على الحجاز ونجد ونجران وعسير، مؤسسا دولة أعطاها اسم عائلته؛ وطرد كل أعدائه -وأولهم الهاشميين- وربط المملكة الجديدة وقبائلها بشخصه عن طريق المصاهرة والنسب ومنح الامتيازات.

ثم كانت المرحلة الثانية في منتصف الستينات عندما قاد الملك فيصل -بموافقة ومباركة العائلة- انقلابا هادئا ضد أخيه سعود، والذي كادت سياساته الخارجية والداخلية أن تطيح بعرش آل سعود، وعرضته للقيل والقال داخل المملكة وخارجها. ولقد استمرت تلك المرحلة طوال عهود فيصل وخالد وفهد وعبد الله على التوالي، ومن أهم “مبادئها” هو ما يسمى باتفاق الصمت، حيث يفعل الملك وباقي أفراد العائلة ما يحلو لهم ولكن دون صخب أو ضجيج، ولينعم الجميع بالثروة. ومع أن حياة الملك فيصل انتهت باغتياله على يد ابن من أبناء إخوته نتيجة إحساسه باستئثار فرع دون بقية الفروع بالثروة والسلطة، إلا أن ذلك لم يكن داعيا لأي تغيير جذري في سياسات من جاؤوا بعد الملك فيصل.

ومنذ النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، بدأ الحديث يدور، ليس في السعودية وحدها وإنما في العالم كله، عن المستقبل في المملكة، فالقاعدة التي وضعها الملك المؤسس لتولي العرش (الأرشد من أبنائه) لم تعد صالحة، فأصغر الأبناء وقتها كان قد تخطى الخامسة والسبعين من عمره، ولذلك كان الجميع ينتظر ما سيحدث. ومع السلطات المطلقة والهائلة للملك في دولة لازالت تعيش على النظام القبلي وأيضا تعيش على بحور من الثروة، فقد كان التوقع أن تكون معركة العرش معركة تكسير عظام هائلة ربما أقرب لحرب أهلية داخل الأسرة الحاكمة.

إن السعودية بلد ينطبق عليه ما قاله ذات يوم “ونستون تشرشل” في وصف الاتحاد السوڤيتي؛ فهي بلد “يلفه الغموض متسربل بالأسرار”، ولذلك لا يمكن معرفة ما يحدث هناك معرفة صحيحة، وإن كان واضحا أن ولي العهد محمد بن سلمان يعمل على بناء شعبية له داخل المملكة تكفل له قبولا لتولي العرش خلفا لأبيه، وفي نفس الوقت يعمل على الإطاحة بكل الأقوياء أو المعارضين له تحت دعاوى محاربة الفساد، في صراع يحتوي على كل عناصر الإثارة.

ومهما يكن فإنه ليس أمام ولي العهد القوي سوى أن يختار بين نموذجين من التاريخ: نموذج الملك خوان كارلوس في أسبانيا والذي استطاع أن يقود تحولا ديمقراطيا كبيرا بعد سنوات طويلة ومريرة من حكم الديكتاتور فرانكو فاستحق حب الشعب الإسباني، وأما النموذج الثاني وهو نموذج الخديوي توفيق ابن إسماعيل الذي فضل الاحتلال العسكري لبلده للحفاظ على العرش، فاستحق لعنات شعبه.

مواضيع قد تعجبك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d